IPSI

معضلة السميد تنهك عددا من القطاعات

أصوات تتعالى وتغزو أرجاء المحلي ونقاش يحتد تتخلله الحيرة و أغلب عليه التساؤلات ” لم هذا الشطط في الأسعار؟ أكثر من الضعف!” هكذا استنكر أحد الزبائن بمحلّ السيدة وهيبة بمنطقة غرداية بولاية نابل لبيع خبز الملاوي والطابونة الإرتفاع الصارخ في الأسعار
بعد جدال دام بضع دقائق تدخل فيه كافة الحاضرين في المحلّ ليغدو سجالا حادا تضاربت فيه الآراء، تستأنف وهيبة عملها بأيادي تروي تجاعيدهم خبرة عقود من الزمن فتقطع جزءا من العجينة اللّينة لتبسطها بسرعة و شدّة في الإتقان كشدّة دفاعها عن موقفها ” انقطاع السميد معضلة لأحصل 3 كيلو منه أبحث عنه في “ستة أو سبع دكاكين الصغيرة ويجب علي أن أدفع مبلغا محترم في مواد أخرى

مضيفة :” أصبحنا نحن صناع الملاوي نشتري بالكيلو سميد كسائر المواطنين فسابقا كنت أقتني 50 كيلو من السميد (شكارة بو 50 ) لكن اليوم نعواها عنا وأصبحت ولا يحق لنا شراء إلا ذات 20 كيلو، ففي حال طلب مني صنع 20 ملاوي وفقا لعدد الأشخاص الموجودين في الصف ، أقدر على صنع نصفها أو أقل، أعمل اليوم و أخمن في كيف سأعمل غدا فهذا مورد رزقي و هذا ما “يعيلني في تربية أبنائي وتدريسهم

ونذكر أنّ الملايين من التونسيين من شرائح اجتماعيّة مختلفة؛ موظفين وتلاميذ وطلبة جامعيين يرتادون على المحلّات التي تقدّم هذا الصنف من الأكلات

حشد من الناس يوحي باحتجاج لكن ماهو إلّا صفّ غير منتظم أمام مخبزة”موكا” بمنطقة باب سعدون بولاية تونس. كهول وشيوخ وأطفال أنهكهم طول الإنتظار ليقطع هذا الصبر “لم تبقى سوى 12 باڨات بمعدل إثنتين لكل شخص فلن نقبل سوى الستة أشخاص الأوائل في الصفّ” جملة قالها إحدى العاملين بالمخبزة وهو يهُمّ بإغلاق الأبواب قاطعا بصيص أمل بقيّة المنتظرين

هذا وتواجه المخابز التونسية منذ شهور أزمة في توفير السميد وشهدت كافة الولايات التونسي إحتاجاجات من قبل أصحاب المخابز العصرية فبعد تعليق وزارة التجارة بيع الفارينة الرفيعة والسميد ل 1500 مخبزة خاصة على إثر أمر رئيس الجمهورية قيس سعيد في 27 جويلية 2023 على التخلي عن تقسيم المخابز المصنفة وغير مصنفة والعودة إلي نص قانوني قديم “أمر علي” لسنة 1956 قائلا أن هناك تلاعب بالخبز عبر تقسيمه إلى خبز للفقراء وخبز للأغنياء

نجلاء بودن : اتّخذنا إجراءات لمنع المخابز غير المصنّفة من بيع الباقات

الحادية عشر ونصف صباحا، تتعالى وتتعدد الاستفهامات أمام المخبزة عن سبب انتهاء الخبز وما العمل فيما غلب على ذلك ألم قدمين العجوز الذي أنهكها طول الإنتظار ولم تظفر بخبزة واحدة

“لم نعد نجد ما نطبخ في هذه البلاد سوى احتساء شربة الشعير. مرّ على وقوفي في الصفّ أكثر من نصف ساعة دون جدوى. انتهى الخبز ولا يوجد في المغازات كسكسي أو مقرونة أو أرز “أو دويدة أو رشتة

مواطنة

ممرّات المغازات الكبرى و الصغرى و الحوانيت تخلو من أهم المواد الأساسية. فعلى غرار انقطاع الحليب والسكر والبن و الأرز و الفارينة و السميد منذ أشهر ينتج عن هذا الأخير انقطاع المعجنات الذي ترتكز في صنعها عليه ففي ماي
الفارط حسب بيانات منظمة “آلرت” تستحوذ شركة الوردة البيضاء على %34,3 من القمح الصلب الموزع و شركة السنبلة الذهبية على 14,7% منه. وتنتفع رندة ب 11,9% وسنابل قرطاج ب %9,7 وقد بلغ متوسط معدل التضخم في فيفري 2023 10,4% مقارنة ب 8,3% سنة 2023 وهي أعلى نسبة تسجل منذ 1984 وأرجح عدد من الخبراء أن السبب
الرئيسي في هذا الإرتفاع هو الصراع الروسي الأوكراني حيث تستورد تونس قرابة 30% من الحبوب من جملة وارداتها الغذائية للسنة الفارطة

أحبط فقدان السميد أمل التونسيين في توسّل الصنع البيتي “العولة” كبديل للمُصنّع فالسيدة زهرة تمتهن فن العولة منذ 30 سنة فتهتّم بكل ماهو بيتي “دياري” لكنّها تُقرّ اليوم بتوقفها عن العمل منذ 4 أشهر لصعوبة هذا الوضع وتصرّح أنّها لم تشتغل سوى مرّات قليلة في حال وفّر لها الحريف المواد و خاصّة السميد

ذلك تستورد تونس عُشر كمية القمح لديها من روسيا ونسبة 65% تقريبًا من أوكرانيا حسب بيانات أصدرها ديوان الحبوب التونسي مما جعل هذه القطاعات رهينة الأوضاع الوطنية و العالمية منها حرب روسيا وأوكرانيا و وباء كورونا… فيما حاولت الحكومات المتتالية الحد من هذا الاستيراد ففي عام1984 عاشت تونس تظاهرات “الخبز” والتي خلفت عددا من القتلى على إثر تخلي الحكومة التونسية في عهد بورقيبة عن دعم القمح والسميد بفرض من صندوق النقد الدولي

خطاب بورقيبة بعد إنتفاضة الخبز في تونس في جانفي 1984

انتفاضة الخبز التي عاشتها تونس في جانفي1984 على إثر ارتفاع سعر الخبز

أزمة السميد هي واحدة من بين الأزمات التي تعيشها البلاد التونسية طيلة العشرية الأخيرة و هي أزمة تمسّ الإكتفاء الغذائي والوضع الإقتصادي لتمتّد تداعياتها اليوم نحو المسّ بالهويّة الوطنية فيصل شبحها لعادات و تقاليد التونسيين كالعولة التقليد الثقافي ذو طقوس و قواعد و التقليد الاقتصادي بما هي مخزون غذائي يعيل العائلة و يحميها من الجوع و الاحتياج. العولة هي منظومة غذائية تونسية متوارثة جيلا عن جيل منذ قرون لتغدو أحد الرموز التي تصرخ بالأصالة وترسيخ التاريخ التونسي والعادات والتقاليد التي ترسم تاريخ أجدادنا وأحد جوانب هويتنا وتمتد هذه العادة ليومنا هذا رغم ما يعيقها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى